الاثنين، 11 فبراير 2013

معالم من الآثار المسيحية المبكرة في ليبيا


معالم من الآثار المسيحية المبكرة في ليبيا
منذ بداية القرن الرابع – منتصف السادس الميلادي.
مجلة تراث الشعب التي تصدر عن وزارة الثقافة : العدد(6)1993م.

     مما لا شك فيه أن الديانة المسيحية كانت قد ظهرت في عهد الإمبراطورين "أغسطس" و"تيبيريوس" (31 ق.م – 37 م). ونحن لا نعرف اليوم الذي ولد فيه المسيح بالتحديد. فالبعض يرى أنه ولد في الفترة ما بين 2 – 1 ق.م، والبعض الآخر يرى أن ميلاده كان قبل عام 6 ق.م، وبعد رفع السيد المسيح إلى الله، قام الحواريون بنشر تعاليمه بين الناس. فخلال جيل واحد فقط امتدت المسيحية إلى آسيا الصغرى واليونان ووادي النيل وقبرص، وإلى كل ركن من شرق البحر المتوسط، ليس هذا فحسب بل أن الديانة الجديدة امتدت أيضاً إلى غرب البحر المتوسط حيث وصلت إلى مدينة روما نفسها، وإلى ما وراءها من الأقاليم التي تقع تحت هيمنتها.
     وبالفعل فقد كان انتشار الديانة المسيحية مدهشاً، ويصف الكاتب المسيحي المشهور "تيرتوليان" (155 – 222م) هذا الانتشار الواسع مخاطباً أعداءه الرومان وفي نفس الوقت مشيراً إلى حداثة عهدهم بالدين المسيحي الجديد قائلاً: "ولدنا البارحة وها نحن نملأ مدنكم وبيوتكم وساحاتكم ولا نترك لكم غير معابدكم"(1).
     ومن المعروف ؟أن الرومان كانوا يتقبلون بكل تسامح كل الديانات والمعتقدات التي كانت تدين بها الشعوب الواقعة تحت سيطرتهم، لأنهم كانوا يتقبلون المستجدات الدينية التي يأتي بها الأجانب مطورين عن طريقها الدين الروماني عن طريق خليط تلك العيادات التي تصل مدينة روما عاصمة الإمبراطورية الرومانية.
     ولكن هذا التسامح كان يتمتع به الجميع ما عدا المسيحيين، لأن انتشار المسيحية السريع، وتعلق أصحاب هذا الدين الجديد بمعتقداتهم جعل الرومان ينظرون إلى المسيحية نظرة خوف. وهذا ما جعل بعض الأباطرة يحاربون المسيحيين ويعذبونهم وينفذون ضدهم حملة اضطهادات شملت معظم أجزاء الإمبراطورية الرومانية. ويذكر المؤرخون أن حوالي ستة آلاف شخص يدين بالدين الجديد قد أسروا وعذبوا ثم صلبوا، أو قتلوا داخل المسارح الدائرية، وذلك بتقديمهم طعاماً للحيوانات المفترسة، أو قتلهم على يد المصارعين داخل حلبات تلك المسارح للترفيه على المتفرجين من الشعب الروماني. ويوجد سببان اثنان يفسران تلك الاضطهادات:
1- عدم مشاركة المسيحيين للرومان في عبادتهم الوثنية التي تؤمن بتعدد الآلهة، بسبب إيمانهم بأن العبادة يجب أن تكون لله وحده. وقد عملوا بوصية السيد المسيح حين قال: "وأعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله".  
2- عدم مشاركة المسيحيين في عبادة الإمبراطور الروماني المؤله، وقد كان تأليه الإمبراطور الروماني من أسس السلطة الرومانية.
     لقد كان المسيحيون يعانون أشد الاضطهاد في العهد المسيحي المبكر، خاصة أثناء حكم الإمبراطوريين نيرون ودقليد يانوس (54 – 305 م) ولكي يحمى هؤلاء المسيحيون أنفسهم من بطيش الرومان، حفروا طرقات طويلة تحت الأرض تسمى "كاتاكومبس" تستعمل للعبادة ودفن الموتى والاجتماعات، وقد جاء اسم "كاتاكومبس" ربما من أصل إغريقي، حيث يعني الاسم أخدوداً عميقاً في الأرض، أو ربما نسبة إلى أحد القدسيين وهو القديس سيبستيان الملقب بكاتاكومبس(2).
     إن الخوف الذي رافق المسيحية في عهودها المبكرة، دفعها إلى التحفظ والتكتم في إظهار عواطفها الدينية، لذلك لجأوا إلى هذه الدياميس، حيث كان المسيحيون يجتمعون في حرية تامة، ويمارسون طقوسهم الدينية بعيداً عن أعين الرومان.
     لقد حفرت أولى هذه الدياميس في مدينة روما عاصمة الإمبراطورية الرومانية. وقد كان المسيحيون يمدون هذه الدياميس تحت الأرض تدريجياً كلما سمحت طبيعة الأرض بذلك. وكانوا ينحتون في جدران هذه الدياميس القبور ويقيمون كنائسهم السرية. ولم يكتسب الديماس الذي حفر في مدينة روما أهمية من حيث القدم فحسب، بل من تلك الرسومات الجميلة التي تزين جدران هذا الديماس من الداخل، والتي تعد أقدم المستندات الفنية للعهد المسيحي المبكر. وقد كانت بعض الرسومات التي كانت تزين ذلك الديماس مستوحاة من التوراة والإنجيل. وكانت البعض الآخر مستوحاة من الأساطير الإغريقية والرومانية مثل أعمال بعض الآلهة كإله هرقل وكيوبيد إله الحب وباخوس إله الخمر وأرفيوس وغيرهم. ولكن من أبرز الموضوعات التي كانت تزين تلك الدياميس موضوع آدم وحواء والطرد من الجنة، وموضوع الراعي الصالح الذي يرمز للسيد المسيح (أنظر الأشكال (1) و(2)).
     لم تكن تلك الدياميس مقتصرة على مدينة روما فقط، بل كانت منتشرة في معظم المدن التي تقع تحت هيمنتها، حيث وجد دياميس على قدر كبير من الأهمية في مدينة نابلي، وفي مدينة سيراكوزا بجزيرة صقلية، وفي جزيرة مالطا، وفي مدينة الإسكندرية، ومدينة أويا (طرابلس)، وفي مدينة صبراتة، وفي مدينة سوسة بتونس. وقد زينت معظم تلك الدياميس برسومات جميلة تمثل موضوعات متأثرة بالفن الكلاسيكي (الإغريقي والروماني). وقد صور السيد المسيح على هيئة الراعي الصالح، وقد صورت فروع وعناقيد العنب وصور الحمام والأسماك(3). ومن بين الرموز التي ظهرت في الفنون المسيحية، نجد اليمامة الممثلة للروح، وطائر "القونيكس" الخرافي الذي عاش خمسمائة عام، وبعد أن أحرق نفسه عادت الحياة إلى رمادة، ولهذا كان يعد رمزاً للخلود، كما تعد سعف النخيل رمزاً للنصر، وغصن الزيتون رمزاً للسلام، والسمكة رمزاً للسيد المسيح لأن اسمها اليوناني يتكون من نفس الحروف التي يتكون منها اسم السيد المسيح.
     ونلاحظ أن العديد من الرسومات التي ظهرت على جدران الدياميس تذكرنا بالرسومات الجميلة التي كانت تزين دور مدينة بومبي أيام الرومان حيث نستطيع أن نشاهد على جدران تلك المنازل الرومانية مناظر تمثل الأزهار والكروم والطيور والفواكه. ومن خلال هذا نصل إلى التأكيد بأن الفن المسيحي المبكر لم يستمد موضوعاته من الفن الإغريقي والروماني فحسب، بل أن الفنانين الذين نفذوا الفنون المسيحية في عهدها المبكر هم أنفسهم، الذين قاموا بتنفيذ العديد من الأعمال الفنية الرومانية السابقة(4). والجدير بالملاحظة هنا أن صورة الصليب لم تظهر على جدران الدياميس قبل القرن الرابع الميلادي.
     لقد استمرت معظم الدياميس (كاتاكومبس) مستعملة حتى القرن الخامس الميلادي وهو العصر الذي أصبح لا يلزم فيه الهروب من السلطات الرومانية خوفاً من ممارسة الدين المسيحي. وقد بدأ المسيحيون يهجرون هذه الدياميس بصورة واضحة عقب اجتياح قبائل القوط لأراضي الإمبراطورية الرومانية في منتصف القرن السادس الميلادي. وهكذا دخلت هذه الدياميس في طي النسيان بالتدريج، حتى نسيت بالكامل. ولم تكشف من جديد إلا بطريقة المصادفة عام 1578م(5).
     لقد كان اضطهاد دقليد يانوس أشد ما ابتليت بها الديانة المسيحية. وقد كانت تلك الاضطهادات أعظم انتصار على أعداء المسيحية لأن دماء الشهداء كما قال الكاتب المسيحي "ترتوليان" هي البذور التي نبتت منها المسيحية(6). وعندما تنازل الإمبراطور دقليد يانوس عن عرش الإمبراطورية الرومانية عام 305م. انتهت موجة الاضطهادات التي كادت تقضي على الديانة المسيحية. وقد عرف العالم القديم بعد تنازل دقليد يانوس ست سنوات من الحرب تجابه فيها في النهاية كل من قسطنطين ومكسانس. وفي عام 312م، انتصر قسطنطين على خصمه وتوج على إثره إمبراطوراً على الإمبراطورية الرومانية. وقد كان أهم قرار اتخذه قسطنطين لصالح المسيحية هو إلغاء تحريم الديانة المسيحية عن طريق الإعلان الذي صدر في مدينة ميلانو عام 313م. ولم يتوقف قسطنطين في دعمه للمسيحية بإعلان ميلانو فقط، بل إنه كان شديد التعاطف مع الدين الجديد، حيث نقل مركز الإمبراطورية الرومانية من روما إلى الشرق، واختار مدينة بيزنطة لتكون موقعاً للعاصمة الجديدة التي أطلق عليها اسم "روما الجديدة"، والتي سميت فيما بعد القسطنطينية نسبة لمؤسسها الإمبراطور قسطنطين. وقد حرم عبادة الأوثان في عاصمته الجديدة. وف آخر أيامه أعلن عن دخوله في الدين المسيحي بصورة رسمية، حيث تم تعميده في عام 337م، وهو على فراش الموت(7). وقد عزز إعلان ميلانو قوانين أخرى لاحقة لصالح المسيحيين منها: إعفاء الكهنة المسيحيين من الضرائب، والسماح للكنيسة أن تتلقى تقدمات وهبات من المال أو من الأراضي أو التحف الثمينة. وبالإضافة إلى ذلك فقد شيد الإمبراطور قسطنطين العديد من الكنائس في القسطنطينية وفي غيرها من المدن. وقد غير قسطنطين القانون والعادات الرومانية في اتجاه يتلاءم مع الديانة المسيحية، وذلك بإلغائه عذاب الصليب والمصارعة الرومانية داخل حلبات المسارح الدائرية. وقد كان من نتائج هذه القوانين أن أغلقت المعابد الرومانية وهدم بعضها، واستعملت البازيليكات (دور العدالة) ككنائس. ومن هنا بدأت الفنون المسيحية في الظهور خاصة فني العمارة والنحت.
* العمــارة:
     كان بناء الكنائس أهم الأعمال التي تناولها المسيحيون بالعناية بعد الاعتراف بدينهم ديناً رسمياً للدولة. وقد بدأ المهندسون المعماريون في هذه الأثناء يعملون على تكييف البازيليكيات (دور العدالة) الرومانية للوفاء بحاجات العبادات المسيحية. وقد كانت معظم البازيليكات تتكون من مبنى مستطيل الشكل طوله ضعف عرضه. وكان كل ضلع من ضلعيها القصيرين ينتهيان بحنية نصف دائرية. وكان هذا المبنى مقسماً طولياً إلى صحن في الوسط وجناحين على الجانبين بواسطة صفين من الأعمدة وكان سقف الصحن الأوسط مرتفعاً قليلاً عن الجناحين، وذلك لإمكان عمل الفتحات الخاصة بالإضاءة للداخل. والمبنى كله مسقوف بالخشب. وقد كان هذا البناء الروماني الضخم صالحاً لاستقبال الجماعات الكبيرة من المسيحيين(8). وتوجد الكثير من الأمثلة لبازيليكات رومانية حولت إلى كنائس مسيحية نذكر فيها:
أ‌-  كنيسة القديسة "سابينا" بمدينة روما، التي حولت إلى كنيسة في العهد المسيحي المبكر، وذلك بين عامي 422 و455م على نفس التخطيط الروماني القديم.
ب‌-                       كنيسة القديسة "ماريا ماجوري" بمدينة روما وقد حولت هي الأخرى إلى كنيسة عام 422م.
     تشترك معظم الكنائس التي شيدت في العهد المسيحي المبكر على الطراز البازيليكي، بأنها تتكون من صحن وجناحين، وفي بعض الأحيان يتقدم هذه الأجزاء الرئيسية فناء مكشوف يسمى "أتريوم". وقد كان يشيد لمثل هذا النوع من الكنائس برج للنواقيس في أحد جوانب الكنيسة، وفي بعض الأحيان كان يشيد لها برجان في أغلب الأحوال يكونان في الوسط. وتشترك معظم الكنائس البزيليكية في أنها تغطى بجمالونات من الخشب فيما عدا الحنية التي كانت بالطرف الغربي من الصحن، فإنها كانت تغطى بقبة نصف دائرية. والجدير بالملاحظة هنا أن البيزنطيين كانوا قد أدخلوا بعض التعديلات على أسقف كنائسهم المشيدة على الطراز البازيليكي، حيث كانوا يغطون الأسقف بقباب وأنصاف أقبية. وقد اقتبسوا مثل هذه التقنيات من الرومان، والذين بدورهم اقتبسوها من سكان بلاد ما بين النهرين الذين عرفوا العقود والقبات منذ الألف الثالثة قبل الميلاد(9).
* النحــت:
     لقد كان فن النحت في العهد المسيحي المبكر لا يهتم بالتماثيل الكاملة كما كان في العصور القديمة، بل كان يركز في هذه الفترة على النحت البارز، خاصة تحت التوابيت الرخامية، ونحت الخشب ونحت بعض الواجهات المعمارية الخاصة بالكنائس. وقد بدأ فن النحت البارز في هذه الفترة يتحرر من الموضوعات الوثنية الإغريقية والرومانية المستمدة من الأساطير مثل قصة ليدا والبجع، وقصص بعض الآلهة مثل أفروديت (فينوس عند الرومان) وإيروس (كيوبيد عند الرومان) وهرقل. وقد حلت محل تلك الموضوعات موضوعات أخرى تمثل السيد المسيح والعذراء والقديسيين.
     لقد امتاز فن النحت في الفترة ما بين 312 – 527 م بنقش التوابيت الرخامية المزخرفة بالمنحوتات البارزة. وقد كانت معظم الموضوعات التي ظهرت على التوابيت في تلك الفترة تمثل الراعي الصالح والمصلين وبعض الشعائر الدينية الخاصة بعمليات التعميد. ولم تظهر موضوعات تمثل السيد المسيح إلا مع نهاية القرن الثالث الميلادي، حيث ظهرت بعض معجزات المسيح على جوانب تلك التوابيت الرخامية. وفي فترة لاحقة ظهرت موضوعات تمثل المسيح، بالإضافة إلى بعض الرموز المسيحية مثل: الصليب بجانب الحمل، والحمام والطاووس، والآيل والحمام على جانبي الكؤوس الكبيرة ذات العرى وذلك رمزاً لينبوع الحياة. لقد استمد فن النقش البارز على التوابيت الرخامية أسلوبه من فن النحت الهيلنستي والروماني. أحسن ما يمثل هذا الجانب من فن النحت في فترة الفن المسيحي المبكر "تابوت الوالي جونيوس باسوس" الموجود حالياً بروما ضمن كنوز القديس بطرس. وأهم ما يميز هذا التابوت وجود أعمدة صغيرة تفصل بين الصور التي تمثل السيد المسيح وبعض القديسيين. ونلاحظ أن هذه الصور موزعة على صفين أحدهما يعلو الآخر. فنجد السيد المسيح في الصف العلوي يتوسط اثنين من الحواريين(10).
* الفن المسيحي المبكر في ليبيا:
     لم يكد يحل العام 300 ميلادية حتى كانت نسبة لا بأس بها من سكان الإمبراطورية الرومانية يدينون بالدين المسيحي الجديد. ولقد علا شأن هذا الدين في شمال أفريقيا بعد الاعتراف بهذا الدين ديناً رسمياً للدولة وكان ذلك بعد إعلان ميلانو عام 313م. وقد كانت أهم معاقل هذا الدين الجديد في البداية مدينة قرطاجة والمدن الثلاث (لبدة، وأويا (طرابلس)، وصبراتة). لقد ظهر في مدينة قرطاجة الكثير من عظماء رجال الدين المسيحي أمثال الكاتب "تيرتوليان" والقديس "أوغسطين". أما في المدن الثلاث على الرغم من أنه لم يظهر بالمنطقة رجال دين مشهورون، إلا أن الدين المسيحي انتشر منذ عهده المبكر في معظم المناطق الساحلية والداخلية على السواء. ويكفي دليلاً على ذلك انتشار العديد من الدياميس الخاصة بالدفن (ركاتاكومبس) وانتشار العديد من الكنائس ليس في المدن الساحلية فحسب، بل أيضاً في المناطق الداخلية. وقد تم اكتشاف تسع كنائس كلها ترجع للعهد المسيحي المبكر. وقد كانت أهم تلك الكنائس أربع وهي:
أ- كنيسة الخضراء:
     تقع هذه الكنيسة بالقرب من مبنى محصن قائم على رأس تل صغير بالقرب من الطريق الذي يصل ترهونة بالقصبات عند الكيلومتر 8 شرقي منطقة الخضراء. لقد بنيت هذه الكنيسة بالحجارة الجيرية المتوفرة بالمنطقة. وقد كانت تتكون من صحن أوسط وجناحين وحنية في الطرف الغربي من الصحن، وهي بذلك تنتمي إلى الطراز البازيليكي. وأهم ما يميز هذه الكنيسة تلك الزخارف النباتية والهندسية الجميلـة التـي تزيـن الأبـواب والنوافـذ. والجدير بالذكر أن هذه الزخارف نقلت حديثاً إلى طرابلس وهي معروضة حالياً بإحدى قاعات المتحف الجماهيري (شكل (4)، (5)).
ب- كنيسة الأصابعة:
     تقع هذه الكنيسة فوق تل مرتفع يطل على مزرعة محصنة ترجع لفترة الاستعمار الروماني. وتبعد هذه الكنيسة حوالي 3كم شمال غرب مدينة الأصابعة. لقد شيدت هذه الكنيسة على الطراز البازيليكي وهي بالتالي تتكون من صحن أوسط وجناحين ومنحنى يقع في الطرف الغربي من الصحن الأوسط الذي رفع فوق صفين من الأعمدة عددها 24 عموداً ذات الطرازين الأيوني والكرونثي. وهذا دليل على أن هذه الأعمدة أخذت من مباني رومانية سابقة.
ج- كنيسة وادي بزرة:
     تقع هذه الكنيسة على بعد حوالي 20 كم إلى الجنوب الشرقي من مدينة بني وليد، وقد شيدت بجوار ثلاث مزارع محصنته قديمة ترجع لفترة الهيمنة الرومانية بالبلاد. وهذه أيضاً تنتمي للطراز البازيليكي، حيث تتكون من صحن أوسط وجناحين ومنحنى في الطرف الغربي من الصحن.
د- كنيسة خفاجي عامر:
     تقع هذه الكنيسة على رأس تل بجوار مبنى محصن على بعد 25 كيلومتر إلى الشرق من مدينة مزدة. وقد شيدت على الطراز البازيليكي، ولذلك فهي تتكون من صحن أوسط وجناحين ومنحنى يقع في الجهة الغربية من الصحن الأوسط. ومن المعروف أن هذا النوع من الكنائس يكون الطول فيه ضعف العرض، لكن هذه الكنيسة تشذ عن القاعدة إذ أن طولها أقصر من المعتاد بالنسبة لعرضها(11). يوجد بالجهة الشرقية لهذه الكنيسة ثلاث أبواب وأوسطها أكبر حجماً من البابين الجانبيين. ومن خلال الرسومات التي نفذها الرحالة الألماني هنريش بارث عام 1849م لهذه الكنيسة علمنا أنها كانت تزدان برسومات جميلة على يسار المدخل الأوسط لهذه الكنيسة. ولكن تلك الرسومات وللأسف الشديد اختفت ضمن الكثير من التحف التي سرقت من البلاد منذ زمن طويل.
     لم يقتصر تشييد الكنائس في المناطق الداخلية فقط، بل أن المدن الساحلية مثل صبراتة وأويا (طرابلس) كانت تضم أيضاً العديد من المعالم المسيحية المبكرة.
* مدينة صبراتة:
     لقد اكتشف العديد من الآثار المسيحية المبكرة بمدينة صبراتة، ولكن هذا قليل من كثير. ونعتقد أن القدر الأكبر من هذه الآثار مازال مدفوناً تحت الأرض. والحفريات التي ستقام مستقبلاً سوف تضيف الكثير من المباني المسيحية في هذه المدينة. ومن أهم المباني المسيحية التي تعود للعهد المسيحي المبكر في الوقت الحاضر في هذه المدينة هي: ديماس الدفن (كاتاكومبس)، وكنيستا المسرح، وكنيسة البازيليكا.
أ- ديماس الدفن بصبراتة:
     لقد اكتشف هذا الديماس عن طريق الصدفة عام 1942م أثناء حفر قناة للمجاري من قبل الجيش الإنجليزي الذي كان يحتل المنطقة(12). وقد تم العثور على جزء من هذا الديماس على بعد 200 متراً من البحر. وهو يتكون في الوقت الحاضر من ممرين أحدهما يتجه من الغرب إلى الشرق، والآخر يتجه من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي. وتنتمي غرف الدفن في هذا الديماس إلى النوع المعروف باسم المدافن القبوية. وتزدان بعض هذه المدافن برسومات جدارية جميلة. ويتم الدفن في هذه المدافن بوضع التوابيت الحجرية المستطيلة المغطاة بألواح حجرية ورخامية على أرضياتها مباشرة. ولقد دلت الحفريات على أن القبور كانت موجودة حتى في ممر الديماس. وهذا يدل على أنه استعمل لمدة زمنية طويلة وهو دليل على تزايد المسيحيين في هذه المدينة. ومما يؤكد ذلك العثور على أطلال أربع كنائس بالمنطقة(13). ومن خلال الحفريات التي أجريت خلال العامين 1972م استطعنا التعرف على أن هذا الديماس كان قد استخدم منذ نهاية القرن الثالث وحتى نهاية القرن الخامس الميلادي(14).
ب- كنيستا المسرح:
     تقع هاتان الكنيستان بالقرب من حمامات المسرح بمدينة صبراتة. ويبدو أن الاختصاصات الدينية لهاتين الكنيستين واحدة. يعتقد أن بداية تشييدها كان في أواخر القرن الرابع الميلادي. ونلاحظ أن المخطط العام لهاتين الكنيستين مطابق للتخطيط البازيليكي المتبع في بناء الكنائس في ذلك الوقت.
ج- كنيسة البازيليكا:
     لقد حلت هذه الكنيسة محل البازيليكا الرومانية في حدود عام 450م، ولذلك انكمش عرض هذه الكنيسة عن العرض السابق للبازيليكا، وفي نفس الوقت اتخذت نفس طراز البازيليكا الرومانية، حيث أصبحت تتكون من صحن في الوسط وجناحين وحنية بالجدار الغربي. لقد أقيم مذبح في الجانب الغربي من هذه الكنيسة. وقد كان في البداية من الخشب، ولكن بقاياه الحالية تدل على أنه قد استبدل بالرخام في فترة لاحقة. وقد تم الاستغناء عن حوض التعميد السابق بإقامة معمودية في منطقة قريبة من الزاوية الشمالية الغربية للكنيسة (شكل (6)).
* مدينة أويا (طرابلس):
     تعتبر منطقتا قرقارش وغوط الشعال من أهم المناطق التي تضم آثار مسيحية مبكرة يبدأ تاريخها من القرن الثالث الميلادي وتصل حتى القرن الخامس الميلادي.
أ- قرقارش:
     لقد عثر في عام 1965م على مقبرة مترامية الأطراف في منطقة قرقارش عند الكيلومترين 4، 5 إلى الغرب من مدينة طرابلس. وبعد إجراء الحفريات والدراسات اللازمة تم التوصل إلى أن المنطقة تضم ديماساً للدفن يعود للقرن الثالث الميلادي توجد به كنيسة ترجع لنفس الفترة السابقة.
     يعتبر ديماس الدفن (كاتاكومبس) من أهم المكتشفات بمنطقة قرقارش. ويبلغ طول الجزء المكتشف من هذا الديماس حتى الآن حوالي 200 متراً. وهو يتجه من الشرق إلى الغرب، ولم يعثر حتى الآن على أي أدلة تدل على أنه استعمل للدفن. ونعتقد أن هذا الديماس كان قد أعد ليكون مقابر تحت الأرض، ولكن صدور إعلان ميلانو في عام 313م. الذي يعطي للمسيحيين حق ممارسة شعائرهم الدينية بكل حرية كان قد حال دون استعمال هذا الديماس للغرض الذي أنشيء من أجله وهو الهروب من السلطات الرومانية سواء للدفن أو ممارسة شعائر الدين. ويرى البعض أن ديماس منطقة قرقارش ربما استعمل في فترة حرية ممارسة الدين المسيحي مخازن أو منازل(15).
     والجدير بالملاحظة أنه تم العثور في منطقة طرابلس على العديد من الدياميس الخالية التي لم تستعمل للدفن، مثل الذي عثر عليه في حي الأندلس وتاجوراء، وهي تختلف عن تلك الدياميس التي استعملت للهروب من وجه السلطات الرومانية، وقد عثر على نماذج كثيرة تمثل هذا النوع الأخير مثل ديماس صبراتة السالف الذكر وديماس ترهونة وسرت(16).
     هذا فيما يخص ديماس قرقارش، أما عن الكنيسة التي فصلت من هذا الديماس، فقد كانت على شكل مستطيل طولها 8.15 م وعرضها 3.15م وارتفاعها نحو 2.00م. لقد تميزت هذه الكنيسة بالصور الجدارية الملونة الجميلة المتعددة الألوان. وتمثل هذه الصور موضوعات مأخوذة من التوراة والإنجيل. ورغم أن هذه الصور قد أثرت فيها الرطوبة وجعلتها باهتة الألوان، إلا أنه يمكن تمييز معالمها. فنجد في الجهة الشمالية من الجدار الغربي من الكنيسة منظراً مأخوذاً من الإنجيل يمثل هجرة السيدة العذراء والسيد المسيح إلى مصر. وتبدو العذراء وهي تركب على ظهر حمار وبين يديها السيد المسيح، ومن خلفها أربعة رجال. أما في الجهة الجنوبية من نفس الجدار السابق فنجد منظراً مأخوذاً من التوراة يمثل طرد آدم وحواء من الجنة. لقد صورت حواء وهي واقفة عارية تستر عورتها بكلتا يديها وتقف إلى يسار آدم، الذي صور أيضاً عارياً ويستر عورته بإحدى يديه، ونجد بينهما صور ثعبان يلتف حول شجرة. وهذا المنظر يشير إلى حادثة الإغواء الواردة في الكتب المقدسة(17) (شكل (5)). لقد صور المنظر من قبل على جدران ديماس القديسين بطرس ومارسيليانو في مدينة روما في القرن الثالث الميلادي(18).
ب- غوط الشعال:
     لقد عثر بمنطقة غوط الشعال عند الكيلومتر 7 إلى الغرب من مدينة طرابلس على مقبرة على قدر كبير من الأهمية أطلق عليها اسم مقبرة ميترا(19). لقد كانت هذه المقبرة تحتوي على رسومات جدارية جميلة تمثل موضوعات رومانية وموضوعات أخرى مسيحية. وهي لذلك تعد من النماذج الفريدة من حيث طرازها، ومن حيث أنها نموذج جيد لدراسة تاريخ الفن في العهد المسيحي المبكر بصفة خاصة وتاريخ الفن العام بصفة عامة. تعود هذه المقبرة في تاريخها إلى النصف الثاني من القرن الرابع الميلادي(20) وهي الفترة التي تم الاعتراف فيها بالدين المسيحي ديناً رسمياً للإمبراطورية الرومانية.
     لقد حفرت المقبرة في منطقة ذات أحجار جيرية، ويمكن النزول إليها عن طريق باب يؤدي إلى الجانب الجنوبي من المقبرة لقد كانت المقبرة على شكل مستطيل طولها حوالي 8 أمتار، وعرضها 5 أمتار، وارتفاعها 5 أمتار. يوجد بالجدار الشمالي حنيتان بجانب بعضهما بعضاً، وفي كل حنية يوجد قبر. وفي مواجهة هذين القبرين الأخيرين لم يستعملا للدفن(21). وتعود أهمية هذه المقبرة بصفة خاصة إلى الرسومات الجدارية الكثيرة التي تزين القبرين الأولين.
* يأخذ القبر الأول شكل تابوت وهو يخص امرأة تدعى "إيليا أريسوث". وقد تعرفنا من خلال النقش المحاط بإطار دائري يرفعه ملاكان طائران، والذي يعلو صورة المرأة، أن اسمها "إيليا أريسوث" وقد عاشت ستين سنة. وعلى الوجه الداخلي لفتحة القبر تظهر صورة جميلة "لإيليا أريسوث" يحيط بها إكليل من الزهور المرصعة بالأحجار الكريمة ترفعه فتاتان صغيرتان. وعلى كل جانب من جانبي القبر تظهر صورة روح حارسة وهي متكئة على مشعل منكس رمز الحياة التي انتهت. ونلاحظ على السقف صورة طاووس وكرمة وقد حط عليها عدد من الطيور وهي رمز للبعث والحياة الأخرى. وعلى جانبي فتحة القبر يوجد صورة شماسين يرتديان مسوحهما الدينية ويحملان شمعتين مشتعلتين (شكل (8)).
     وفي مقدمة القبر من الأمام يوجد منظر لسباق العربات داخل حلبة السباق (السيرك). ويبدو في هذا المشهد أربع عربات كل واحدة تجرها مجموعة من الخيول، وكل عربة تتميز بلون معين يختلف عن الأخرى، فهناك اللون الأزرق، والأبيض، والأخضر، والأحمر. وكان سباق العربات في العهود القديمة، خاصة في عهد الرومان يثير روح الانفعال والحماسة بين المتفرجين، حيث كانوا ينقسمون إلى أربع مجموعات من المشجعين يأخذون ألوان العربات المتسابقة. وكان السباق يتكون من سبعة أشواط. وعند إتمام كل شوط بدلي دلفين ذهبي. وقد كانت أخطر لحظات السباق أثناء الدوران حول الأعمدة المخروطية الشكل المنصوبة عند طرفي القاعدة المرتفعة الموجودة وسط حلبة السباق. وفي هذا المنظر الذي يظهر على واجهة هذا القبر نلاحظ أن العربة الزرقاء هي التي كسبت السباق، بينما تظهر العربة البيضاء وقد انتهت بفاجعة، على حين كانت العربة الخضراء تحاول اللحاق بالعربة الزرقاء، بينما جاءت العربة الحمراء في مؤخرة السباق (شكل (9)).
     ومن خلال هذا المنظر نستطيع التعرف على بعض التفاصيل المعمارية التي تتكون منها حلبات السباق في ذلك العصر، والتي كان من أبرز عناصرها: مدرجات المتفرجين، وحلبة السباق، والقاعدة المرتفعة (السبينا)، وفتحات انطلاق العربات، وقوس النصر الضخم. ونلاحظ في هذا المنظر الذي يتصدر قبر "إيليا أريسوث" وجود ثلاثة أعمدة مخروطية الشكل تقع في أحد جانبي القاعدة المستطيلة المرتفعة. وقد كانت حلبات السباق في العالم القديم ذات طراز موحد. ففي مدينة لبدة تتكون حلبة السباق من ساحة أهليجية الشكل طولها 430 متر، وعرضها 70 متر. وهذه الحلبة مقسمة إلى نصفين عن طريق القاعدة المستطيلة المرتفعة التي تقع وسط حلبة السباق والتي تسمى "السبينا". ويبلغ طول هذه القاعدة 231 متر وعرضها 6 أمتار، وارتفاعها أكثر من 2 متر.
     ونلاحظ أن المدرجات الخاصة بالمتفرجين تحيط بحلبة السباق من جميع الجهات ما عدا الجهتين الغربية والشرقية، فنجد في الجهة الغربية فتحات انطلاق العربات، أما في الجهة الشرقية فيقع القوس الضخم(22).
* يأخذ القبر الثاني نفس طراز القبر السابق وهو يخص "إيليوس يوراتانوس"، الذي يبدو أنه زوج "إيليا أريسوث" لقد نقش اسم "إيليوس يوراتانوس" هو الآخر فوق قبره ونلاحظ أن الاسم يحيط به من الجانبين طاووس. وقد صور صاحب القبر على الجدار الداخلي لفتحة القبر وهو متكئاً داخل جنة رمز لها بشجرة وعدة زهور. وقد زينت جوانب وواجهة فتحة القبر بصور عديدة تمثل أرواح حارسة متكئة على مشاعل مقلوبة. وقد زين سقف فتحة هذا القبر بالعديد من الصور التي تمثل كرمة وبعض الطيور، وسلة معلقة مملوءة بالفواكه.
     من خلال دراستنا لهذه الرسومات الجدارية التي تزين جدران هذه المقبرة، توصلنا إلى أنها تمثل بعض الرموز المسيحية المبكرة. وهذه الرسومات تزيد في التأكيد على أن المقبرة تعود للقرن الرابع الميلادي.
     وبعد أن أعاد البيزنطيون سيطرتهم على البلاد بعد طرد الوندال عام 534م في عهد الإمبراطور جستنيان (527 – 565م) بدأ في منطقة شمال أفريقيا عهد قصير من الازدهار، حيث تم تحويل معظم مباني البازيليكات الرومانية إلى كنائس، بالإضافة إلى تشييد كنائس جديدة خاصة في المدن الخمس، والمدن الثلاث. أحسن النماذج التي تمثل العمارة في هذه الفترة كنيستان هما: كنيسة قصر ليبيا بمنطقة المدن الخمس، وكنيسة جستينيان بمنطقة المدن الثلاث.
أ- كنيسة قصر ليبيا:
     تقع هذه الكنيسة على بعد 50 كيلومتراً إلى الغرب من مدينة قوريني (شحات). وتعتبر هذه الكنيسة من الكنائس المتواضعة في مظهرها الخارجي، ولكن داخل هذا البناء البسيط تظهر لوحات من الفسيفساء الرائعة يندر وجودها في أي بقعة من بقاع العالم.
     لقد اكتشفت هذه الكنيسة عن طريق المصادفة بواسطة أحد فلاحي المنطقة عام 1957م، ولم تكن منطقة قصر ليبيا من المدن المهمة التي عرفناها أثناء الاستعمار الإغريقي والروماني مثل قوريني (شحات) وبرقة (المرج) وطلميثة، وتوكرة، ويوسبيريدس (بنغازي)، ولكن أهميتها ترجع إلى أنها أصبحت في أوائل القرن السادس الميلادي مقر أسقفية بمنطقة المدن الخمس.
     إن أرضيات هذه الكنيسة كانت مغطاة بمناظر فسيفسائية جميلة تمثل مناظر متعددة الموضوعات، وكل منظر منفصل عن الآخر بإطار زخرفي. ويصل عدد هذه اللوحات أكثر من 50 لوحة. وأهمها من الناحية التاريخية تلك التي تحتوي على نقش إغريقي الذي استطعنا عن طريقه تحديد تاريخ إنشاء هذه الكنيسة وهو عام 539م، ويمكن تقسيم الموضوعات التي تظهر على فسيفساء قصر ليبيا إلى خمس مجموعات مختلفة تمثل:
أ‌-  مناظر بشرية كالرجال والنساء وبعض الآلهة الوثنية القديمة، وبعض حوريات البحر. أحسن هذه اللوحات اثنتان إحداهما تمثل فارساً، والأخرى تمثل الراعي الصالح (شكل (8)).
ب-واجهات كنائس، ومعابد، ومباني أخرى، ومن أحسن تلك اللوحات اللوحة التي تمثل منارة الإسكندرية، وبالقرب منها برج مرتفع فوقه تمثال. والجدير بالذكر أن المنارة والبرج وصفا من قبل الرحالة المسلمين الذين زاروا مدينة الإسكندرية. وكان على رأسهم الرحالة ابن جبير 1183م، والعبدري 1289م، وابن بطوطة 1327م. وكان كل منهم قد خصص لمنارة الإسكندرية وصفاً يليق بهذا البناء الجدير بهذه العناية. ولقد دمرت هذه المنارة بفعل زلزال حل بالمدينة في القرن الرابع عشر الميلادي. ولقد أشار الرحالة ابن بطوطة إلى هذا التدمير قائلاً: "وقصدت المنار عند عودتي إلى بلاد المغرب عام خمسين وسبعمائة 1350م فوجدته قد استولى عليه الخراب بحيث لا يمكن دخوله ولا الصعود إلى بابه"(23) (الشكل (9)).
ج- طيوراً مختلفة مثل: البط، والإوز، والنعام، والطاووس، والحمام، وبعض العصافير، من أحسن تلك اللوحات تلك اللوحة التي تمثل نسراً يفترس غزالاً (شكل (11)).
د- حيوانات مثل: الغزلان، والأسود، والنمور، والخيل، والأبقار، (شكل (12)).
هـ- مجموعة من الأسماك على مختلف الأنواع والأشكال.
     ومن خلال دراستنا لهذه الموضوعات الفسيفسائية المختلفة اتضح أنها ترجع إلى أسلوب مدرسة الإسكندرية. ومما يؤكد ذلك وجود مناظر تمثل مدينة الإسكندرية مثل منارة الإسكندرية السالفة الذكر.
ب- كنيسة جستنيان:
     تعرف هذه الكنيسة باسم بازيليكا جستنيان وهي تعتبر من الكنائس الهامة بمدينة صبراتة بوجه خاص، ومنطقة شمال أفريقيا بوجه عام. لقد أشاد المؤرخ البيزنطي "بروكوبيوس" (القرن السادس الميلادي)بضخامة هذه الكنيسة. ولكن عظمة البناء التي أشار إليها "بروكوبيوس" لم يبق منها سوى الأجزاء السفلى من البناء. أبرز ملامح هذه الكنيسة اليوم هي الفسيفساء التي كانت تزين صحن الكنيسة الأوسط والجناحين. وهي الآن معروضة بمتحف مدينة صبراتة على هيئة نموذج لهذه الكنيسة. ويلاحظ أن الفسيفساء التي كانت بالصحن تمثل رسماً رمزياً يبدأ من بداية صحن الكنيسة وحتى نهايته، وهو عبارة عن كرمة ذات فروع متشابكة تتخللها عناقيد العنب، ويوجد بينها عدد كبير من الطيور من بينها طائر "الفونيكس" وهو من شعارات الديانة المسيحية. وبالإضافة إلى ذلك نرى عدداً من الطواويس وسمانة داخل قفص. أما الفسيفساء التي بالجناحين فهي أقل اتقاناً وهي تمثل رسومات هندسية تقليدية(24).
     هـذه بعـض المعالم المسيحية المبكرة التي شيدت في ليبيا في الفترة ما بين 300 – 565م، وقد توقفت هذه المنشآت عن أداء دورها المسيحي بمجرد وصول الطلائع الأولى التي نشرت الدين الإسلامي في ربوع البلاد في عام 642م. ومنذ ذلك التاريخ دخلت البلاد في الإسلام، وسرعان ما بدأت تسهم في بناء الحضارة العربية الإسلامية بأكبر نصيب في جميع المجالات.

المراجع والهوامش:
1- ول ديورانت، قصة الحضارة (الجزء (11))، الإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية، القاهرة، 1965م، ص 289.
2- Guy Rochet, Dictionnaire de l'archeolgie, Robert Laffont, Paris, 1983, p. 200.
3- Robert Maillard, Dictionnaire universel de la peinture, Tom 5, Robert, Paris, 1975, p. 178.
4- Guy Rochet, Dictionnaire, p. 200.
5- نفس المرجع السابق، ص 200.
6- ول. ديورانت، قصة الحضارة (الجزء (11))، ص 381.
7- نفس المرجع السابق، ص 402.
8- Albert Châtelet, Histoire de L'art, Tom 1, Larousse, Paris, 1985, p. 193 – 194.
9- محمد علي عيسى، الغزاة والمراكز الحضارية العربية القديمة، مجلة آثار العرب، العدد الأول، مصلحة الآثار، طرابلس، 1990م، ص 73.
10- Albert Châtelet, Histoire $, p. 199.
11- D. E. L. Haynes, An archaeological and hitorical guide to the pre-Islamic antiquities of Tripolitania, the antiquities, Tripoli, 1965, p. 168 – 169.
12- طه باقر، أخبار أثرية، مجلة ليبيا القديمة، المجلد الخامس، مصلحة الآثار، طرابلس، 1968، ص 53.
13- الدو نيستوري، ديماس الدفن في صبراتة، مجلد ليبيا القديمة، العدد التاسع والعاشر، مصلحة الآثار، طرابلس، 1972، 1973م، ص 7 – 9.
14- نفس المرجع السابق، ص 9.
15- محمود أبو حامد ومحمود النمس، مدينة طرابلس منذ الاستيطان الفينيقي حتى العهد البيزنطي، الدار العربية للكتاب، طرابلس، 1978، ص 79.
16- نفس المرجع السابق، ص 79.
17- طه باقر، أخبار أثرية، مجلة ليبيا القديمة، (العدد الثالث والرابع)، منشورات مصلحة الآثار، طرابلس، 1966، 1967، ص 110 – 111.
18- 3- Robert Maillard, Dictionnaire universel de la peinture, Tom 5, Robert, Paris, 1975, p. 176.
19- Ranuccio Bianchi Bandinelli, Rome la fin de l'art antique, Gallimard, Paris, 1970, p. 264.
20- نفس المرجع السابق، ص 264.
21- محمود أبو حامد، ومحمود النمس، مدينة طرابلس، ص 70.
22- جـون همفـري، ميـدان سبـاق المركبـات في لبدة، مجلة ليبيا القديمة، العدد 9، 10، مصلحة الآثار، طرابلس، 72/1973م، ص 10 – 13.
23- محمد علي عيسى، "الآثار الباقية عن القرون الخالية" كما وصفها الرحالة العبدري، مجلة تراث الشعب، السنة العاشرة، المجلد 1، العدد4، أمانة الإعلام، طرابلس، 1990م، ص 53، 59.
24- محمد علي عيسى، مدينة صبراتة منذ الاستيطان الفينيقي حتى الوقت الحاضر، الدار العربية للكتاب، طرابلس، 1978م، ص 85، 88.

هناك تعليق واحد: